الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: قوله تعالى: {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَاءُ ويرضى}.هذا توبيخ من الله تعالى لمن عبد الملائكة والأصنام، وزعم أن ذلك يقرّبه إلى اللَّه تعالى، فأعلم أن الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتهم على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له.قال الأخفش: الملَك واحد ومعناه جمع؛ وهو كقوله تعالى: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47].وقيل: إنما ذكر ملَكًا واحدًا، لأن كَمْ تدل على الجمع.قوله تعالى: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة}.هم الكفار الذين قالوا الملائكة بنات الله والأصنام بنات الله.{لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى} أي كتسمية الأنثى، أي يعتقدون أن الملائكة إناث وأنهم بنات الله.{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي إنهم لم يشاهدوا خلقه الملائكة، ولم يسمعوا ما قالوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يروه في كتاب.{إِن يَتَّبِعُونَ} أي ما يتبعُونَ {إِلاَّ الظن} في أن الملائكة إناث.{وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا}.قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَمَّن تولى عَن ذِكْرِنَا} يعني القرآن والإيمان.وهذا منسوخ بآية السيف.{وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا} نزلت في النَّضر.وقيل: في الوليد.{ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم} أي إنما يبصرون أمر دنياهم ويجهلون أمر دينهم.قال الفراء: صغّرهم وازدرى بهم؛ أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة.وقيل: أن جعلوا الملائكة والأصنام بنات الله.{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} أي حاد عن دينه {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} فيجازي كُلًا بأعمالهم. اهـ..قال الألوسي: {وَكَمْ مّن مَّلَكٍ في السماوات لاَ تُغْنِى شفاعتهم شَيْئًا}.وإقناطهم عما طمعوا به من شفاعة الملائكة عليهم السلام موجب لإقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الأولوية {وَكَمْ} خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء، والخير الجملة المنفية، وجمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك باعتبار المعنى أي وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم عند الله تعالى شيئًا من الإغناء في وقت من الأوقات {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} لهم في الشفاعة.{لِمَن يَشَاء} أن يشفعوا له {ويرضى} ويراه سبحانه أهلًا للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان، وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم من إذن الله تعالى بمعزل. وعنه بألف ألف منزل، وجوز أن يكون المراد إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة بالشفاعة ويراه عز وجل أهلًا لها، وأيًا مّا كان فالمعنى على أنه إذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام، والكلام قيل من باب:فحاصله لا شفاعة لهم ولا غناء بدون أن يأذن الله سبحانه الخ، وقيل: هو وارد على سبيل الفرض فلا يخالف قوله تعالى: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقرأ زيد بن علي {شفاعته} بإفراد الشفاعة والضمير، وابن مقسم {شفاعاتهم} بجمعهما وهو اختيار صاحب الكامل أبي القاسم الهذلي، وأفردت الشفاعة في قراءة الجمهور قال أبو حيان: لأنها مصدر ولأنهم لو شفع جميعهم لواحد لم تغن شفاعتهم عنه شيئًا.{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} وبما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي {لَيُسَمُّونَ الملائكة} المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق {تَسْمِيَةَ الانثى} فإنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون، {والملائكة} في معنى استغراق المفرد فيكون التقدير ليسمون كل واحد من {الملائكة تَسْمِيَةَ الانثى} أي يسمونه بنتًا لأنهم إذا قالوا ذلك فقد جعلوا كل واحد منهم بنتًا، فالكلام على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة، والإفراد لعدم اللبس، ولذا لم يقل تسمية الإناث فلا حاجة إلى تأويل الأنثى بالإناث ولا إلى كون المراد الطائفة الأنثى، وما ذكر أولًا قيل: مبني على أن تسمية الأنثى في (النظم الجليل) ليس نصبًا على التشبيه وإلا فلا حاجة إليه أيضًا، وفي تعليق التسمية بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترىء عليها إلا من لا يؤمن بها رأسًا، وقوله تعالى: {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} حال من فاعل {يسمون} [النجم: 27] وضمير به للمذكور من التسمية وبهذا الاعتبار ذكر، أو باعتبار القول أي يسمونهم إناثًا، والحال أنهم لا علم لهم بما يقولون أصلًا، وقرأ أبيّ بها أي بالتسمية، أو بالملائكة {الله إِن يَتَّبِعُونَ} أي ما يتبعون في ذلك {إِلاَّ الظن} أي التوهم الباطل {وَإِنَّ الظن} أي جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار، وقيل: الإظهار ليستقل الكلام استقلال المثل.{لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} من الإغناء فإن الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء وما هو عليه إنما يدرك إدراكًا معتدًا به إذا كان عن يقين لا عن ظن وتوهم فلا يعتدّ بالظن في شأن المعارف الحقيقية أعني المطالب الاعتقادية التي يلزم فيها الجزم ولو لم يكن عن دليل، وإنما يعتدّ به في العمليات وما يؤدى إليها.وفسر بعضهم الحق بالله عز وجل لقوله سبحانه: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} [الحج: 6]، واستدل بالآية من لم يعتبر التقليد في الاعتقاديات وفيه بحث والظاهرية على إبطاله مطلقًا، وإبطال القياس ورده على أتم وجه في الأصول، وما أخرج ابن أبي حاتم عن أيوب قال: قال عمر بن الخطاب: احذروا هذا الرأي على الدّين فإنما كان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا لأن الله تعالى كان يريه وإنما هو منا تكلف وظن {وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} هو أحد أدلتهم على إبطال القياس أيضًا، وقد حكى الآمدي في الأحكام نحوه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: قال ابن عمر: اتهموا الرأي عن الدّين فإن الرأي منا تكلف وظن {وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} وأجاب عنه بأن غايته الدلالة على احتمال الخطأ فيه وليس فيه ما يدل على إبطاله، وأن المراد بقوله: {إَنَّ الظن} الخ استعمال الظن في مواضع اليقين وليس المراد به إبطال الظن بدليل صحة العمل بظواهر الكتاب والسنة، ويقال نحو هذا في كلام عمر رضي الله تعالى عنه، وقد ذكر جملة من الآثار استدل بها المبطل على ما زعمه وردها كلها فمن أراد ذلك فليراجعه.{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا} أي عنهم ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوسل به إلى وصفهم بما في حيز صلته من الأوصاف القبيحة، وتعليل الحكم بها أي فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم الحق وهو القرآن العظيم. المنطوي على بيان الاعتقادات الحقة. المشتمل على علوم الأولين والآخرين.المذكر للآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها، والمراد بالإعراض عنه ترك الأخذ بما فيه وعدم الاعتناء به، وقيل: المراد بالذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وبالإعراض عنه ترك الأخذ بما جاء به، وقيل: المراد به الإيمان، وقيل: هو على ظاهره والإعراض عنه كناية عن الغفلة عنه عز وجل {وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا} راضيًا بها قاصرًا نظره عليها جاهدًا فيما يصلحها كالنضر بن الحرث والوليد بن المغيرة، والمراد من الأمر المذكور النهي عن المبالغة في الحرص على هداهم كأنه قيل: لا تبالغ في الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه، وقوله تعالى: {ذلك} أي أمر الحياة الدنيا المفهوم من الكلام ولذا ذكر اسم الإشارة، وقيل: أي ما أداهم إلى ما هم فيه من التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا، وقيل: ذلك إشارة إلى الظن الذي يتبعونه، وقيل: إلى جعلهم الملائكة بنات الله سبحانه وكلا القولين كما ترى {مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم} أي منتهى علمهم لا علم لهم فوقه اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا.والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد، وضمير {مَبْلَغُهُمْ} لمن وجمع باعتبار معناه كما أن إفراده قبل باعتبار لفظه، وقوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} تعليل للأمر بالإعراض، وتكرير قوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ} لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين، والمراد {بِمَن ضَلَّ} من أصر على الضلال ولم يرجع إلى الهدى أصلًا، و{بِمَنِ اهتدى} من شأنه الاهتداء في الجملة، أي هو جل شأنه المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبدًا، وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره سبحانه فلا تتعب نفسك في دعوتهم ولا تبالغ في الحرص عليها فإنهم من القبيل الأول. اهـ. .قال ابن عاشور: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ}.لما بين الله أن أمور الدارين بيد الله تعالى وأن ليس للإِنسان ما تمنّى، ضَرب لذلك مِثالًا من الأماني التي هي أعظم أمانيّ المشركين وهي قولهم في الأصنام {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى} [الزمر: 3]، وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه} [يونس: 18]، فبينّ إبطال قولهم بطريق فحوى الخطاب وهو أن الملائكة الذين لهم شرف المنزلة لأن الملائكة من سكان السماوات (فهم لا يستطيعون إنكار أنهم أشرف من الأصنام) لا يملكون الشفاعة إلا إذا أذن الله أن يشفع إذا شاء أن يقبل الشفاعة في المشفوع له، فكيف يكون للمشركين ما تمنوا من شفاعة الأصنام للمشركين الذين يقولون {هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه} وهي حجارة في الأرض وليست ملائكة في السماوات، فثبت أن لا شفاعة إلا لمن شاء الله، وقد نفي الله شفاعة الأصنام فبطل اعتقاد المشركين أنهم شفعاؤهم، فهذه مناسبة عطف هذه الجملة على جملة {أم للإنسان ما تمنى} [النجم: 24].وليس هذا الانتقال اقتضابًا لبيان عظم أمر الشفاعة.و {كم} اسم يدل على كثرة العدد وهو مبتدأ والخبر {لا تغني شفاعتهم}.وقد تقدم الكلام على {كم} في قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} في سورة البقرة (211)، وقوله: {وكم من قرية أهلكناها} في الأعراف (4).وفي {السموات} صفة ل {ملك}.والمقصود منها بيان شرفهم بشرف العالم الذي هم أهله، وهو عالم الفضائل ومنازل الأسرار.وجملة {لا تغني شفاعتهم} الخ، خبر عن {كم}، أي لا تغني شفاعة أحدهم فهو عام لوقوع الفعل في سياق النفي، ولإِضافة شفاعة إلى ضميرهم، أي جميع الملائكة على كثرتهم وعلوّ مقدارهم لا تغني شفاعة واحد منهم.و {شيئًا} مفعول مطلق للتعميم، أي شيئًا من الإِغناء لزيادة التنصيص على عموم نفي إغناء شفاعتهم.ولما كان ظاهر قوله: {لا تغني شفاعتهم} يوهم أنهم قد يشفعون فلا تقبل شفاعتهم، وليس ذلك مرادًا لأن المراد أنهم لا يجْرَأون على الشفاعة عند الله فلذلك عقب بالاستثناء بقوله: {إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}، وذلك ما اقتضاه قوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] وقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 225] أي إلا من بعد أن يأذن الله لأحدهم في الشفاعة ويرضى بقبولها في المشفوع له.فالمراد بـ {لمن يشاء} من يشاؤه الله منهم، أي فإذا أذن لأحدهم قبلت شفاعته.واللام في قوله: {لمن يشاء} هي اللام التي تدخل بعد مادة الشفاعة على المشفوع له فهي متعلقة بشفاعتهم على حد قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}، وليست اللامُ متعلقة بـ {يأذن الله}.ومفعول {يأذن} محذوف دل عليه قوله: {لا تغني شفاعتهم}، وتقديره: أن يأذنهم الله.ويجوز أن تكون اللام لتعدية {يأذن} إذا أريد به معنى يستمع، أي أن يُظهر لمن يشاء منهم أنه يقبل منه.ومعنى ذلك أن الملائكة لا يزالون يتقربون بطلب إلحاق المؤمنين بالمراتب العليا كما دل عليه قوله تعالى: {ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7] وقوله: {ويستغفرون لمن في الأرض} [الشورى: 5] فإن الاستغفار دعاء والشفاعة توجه أَعلى، فالملائكة يعلمون إذا أراد الله استجابة دعوتهم في بعض المؤمنين أذن لأحدهم أن يشفع له عند الله فيشفع فتقبل شفاعته، فهذا تقريب كيفية الشفاعة.ونظيره ما ورد في حديث شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في موقف الحشر.وعُطف {ويرضى} على {لمن يشاء} للإِشارة إلى أن إذن الله بالشفاعة يجري على حسب إرادته إذا كان المشفوع له أهلًا لأن يُشفع له.وفي هذا الإِبهام تحريض للؤمنين أن يجتهدوا في التعرض لرضي الله عنهم ليكونوا أهلًا للعفو عما فرطوا فيه من الأعمال.{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)}.اعتراض واستطراد لمناسبة ذكر الملائكة وتبعًا لما ذكر آنفًا من جعل المشركين اللاّت والعُزى ومناة بناتتٍ لله بقوله: {أفرأيتم اللات والعزى} إلى قوله: {ألكم الذكر وله الأنثى} [النجم: 19 21] ثُنِّيَ إليهم عنان الرد والإِبطال لزعمهم أن الملائكة بنات الله جمعًا بين ردّ باطلين متشابهين، وكان مقتضى الظاهر أن يعبر عن المردود عليهم بضمير الغيبة تبعًا لقوله: {إن يتبعون إلا الظن} [النجم: 28]، فعدل عن الإِضمار إلى الإِظهار بالموصولية لما تؤذن به الصلة من التوبيخ لهم والتحقير لعقائدهم إذ كفروا بالآخرة وقد تواتر إثباتها على ألسنة الرسل وعند أهل الأديان المجاورين لهم من اليهود والنصارى والصابئة، فالموصولية هنا مستعملة في التحقير والتهكم نظير حكاية الله عنهم: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] إلا أن التهكم المحكي هنالك تهكم المبطل بالمحق لأنهم لا يعتقدون وقوع الصلة، وأما التهكم هنا فهو تهكم المحق بالمبطل لأن مضمون الصلة ثابت لهم.والتسمية مطلقة هنا على التوصيف لأن الاسم قد يطلق على اللفظ الدال على المعنى وقد يطلق على المدلول المسمى ذاتًا كان أو معنى كقول لبيد:أي السلام عليكما، وقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] وقوله تعالى: {عينًا فيها تسمى سلسبيلًا} [الإنسان: 18] أي توصف بهذا الوصف في حسن مآبها، وقوله تعالى: {هل تعلم له سميًا} [مريم: 65]، أي ليس لله مثيل.وقد مرّ بيانه مستوفى عند تفسير {بسم اللَّه الرحمن الرحيم} في أول الفاتحة (1).والمعنى: أنهم يزعمون الملائكة إناثًا وذلك توصيف قال تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} [الزخرف: 19]، وكانوا يقولون الملائكة بنات الله من سروات الجن قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] وقال: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} [الصافات: 158].
|